الحكومة تفرض 225 مليون دولار على العمّال -- Oct 14 , 2025 10
ما هو واضح في أرقام مشروع موازنة 2026، أنها تشبه الكثير من الموازنات السابقة وفيها تتغذّى الخزينة على إيرادات مصدرها الأساسي الضرائب المفروضة على أجور العاملين في القطاعين العام والخاص.
هو خيار في السياسات الضريبية التي اتخذتها الحكومات السابقة منذ نهاية الحرب الأهلية، وربما منذ تكريس أفكار ميشال شيحا في بنية نموذج الاقتصاد السياسي، ولكن المشكلة أنه بات خياراً يعمّق التشوّهات الاقتصادية، وهو ليس سوى مرآة لرغبة السلطة في إبقاء التوزيع الضريبي ضمن الهيكل الذي يناسبها بعيداً عن أي تغيير جذري لما يفترض أنه لبنان الجديد الذي لم يولد بعد منذ الانهيار حتى اليوم، ولا تظهر مؤشرات بأنه سيولد قريباً. فالسياسات الضريبية تعبّر عن رؤية اقتصادية لما سيكون عليه البلد وتترجمها إلى إيرادات تغذّي الخزينة في الإطار المخطّط له، سواء لإرساء العدالة الضريبية، أو لإعادة البناء والاستثمار.
لكن هذا الأمر لم يظهر في ممارسات السلطة إلا على شكل محاسبي يتعلق دائماً بحاجة الخزينة إلى المزيد مما يمكن الحصول عليه من الفئات الأضعف، أي العمال. أما الآخرون، مثل المصارف والشركات المالية وكبرى المؤسسات وسواها، فقد «التُمس» لهم مفهوم «الجنة الضريبية» الذي يحاول وزير المال ياسين جابر إعادة إحيائه، وكأن الانهيار لم يحصل.
بحسب أرقام الموازنة، تبلغ التقديرات المتوقّعة من ضريبة الدخل على الأرباح نحو 11 ألف مليار ليرة مقارنة مع 29 ألف مليار ليرة في 2025. في المقابل، يقدّر أن تبلغ قيمة الإيرادات الناتجة من الضريبة على الرواتب والأجور في 2026 نحو 20 ألف مليار ليرة مقارنة مع 8 آلاف مليار ليرة في 2025. عملياً، فإنه في 2026، يتوقع أن تساوي إيرادات الضريبة على الأجور ضعفي إيرادات الضريبة على الأرباح.
هذه الأرقام تظهر أن الإيرادات الضريبية من الأجور تضاعفت ثلاث مرات، مقابل انخفاض الإيرادات الضريبية المتأتية من الأرباح إلى الثلث تقريباً. هذا التشوّه الجديد في بنية النظام المالي في لبنان، يعكس حقيقة راسخة بأن الأفضلية دائماً ما كانت لأصحاب الرساميل، وأن قوّة العمل ليست ضمن الأولويات.
فقد كانت التشوّهات في الأولويات متركّزة في مصادر الإيرادات على أساس أن الضرائب المباشرة التي تصيب الثروة والملكية والعقارات والقطاع المالي، لا يمكن أن تكون مستهدفة، بعكس المصادر المرتبطة بالاستهلاك من الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية وغيرهما.
وفي الحالة السابقة كانت نتيجة الإيرادات بأن محاصيل الضريبة التي تدفع على الأجور هي نصف محاصيل الضريبة التي تدفع على الأرباح.
غير أن هذا التشوّه سجّل بعد الانهيار المصرفي والنقدي في 2019، انحرافاً عميقاً لتصبح الضرائب المتأتية من الأجور أعلى من تلك المتأتية من الأرباح. ويأتي ذلك رغم أنه لم يصَر إلى تصحيح الأجور بشكل يعوّض الخسارة اللاحقة بها في القوّة الشرائية والناتجة من الانهيار المصرفي والنقدي. إذ إن التقديرات تشير إلى أن أجور القطاع الخاص الفعلية ما تزال متدنية نسبياً، بينما أجور القطاع العام التي تمثّل كتلة وازنة من مجمل الأجور في لبنان، ما تزال متدنية بشكل قياسي.
واعتماد الدولة على الإيرادات المتأتية من الأجور مقارنة بالأرباح، يتمظهر عبر أن الأولى تُشكّل نحو 63% من الضريبة على الدخل (من دون احتساب الغرامات والضريبة على الفوائد ورؤوس الأموال المنقولة)، أما الضريبة على الأرباح، فحصّتها 37%. وهذا التوزيع لا يمثّل الواقع الاقتصادي بأن حصّة الأجور والأرباح شبه متوازية في الاقتصاد. فإما أصبحت حصّة الأجور أكبر من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أمر غير واقعي، وإما أصبحت حصّة الأرباح أدنى بسبب التزوير في التصاريح الضريبية.
132 مليون دولار
هو المبلغ المدرج في موازنة 2026 من الضريبة على الأرباح مقارنة مع 1.3مليار دولار في 2018، أي انخفاض بنسبة 9%. وفي المقابل، انخفضت الضرائب على الأجور من 511 مليون دولار قبل الأزمة إلى نحو 225 مليون دولار في 2026، أي بنسبة 56%. لكن بات واضحاً أن التصحيح اللاحق بالضريبة على الأجور كان أسرع من الضريبة على الأرباح، ما يدلّ على أولويات الحكومة في مواصلة إعفاء الفئات الأكثر قدرة في المجتمع على حساب الفئات الأقلّ قدرة
الاخبار